السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن )
الإمام القرطبي اسمه ومولده:
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسِّر. ولد في قرطبة أوائل القرن السابع الهجري (ما بين 600 - 610هـ)
، وعاش بها، ثم انتقل إلى مصر حيث استقر بِمُنْيَة بني خصيب في شمال أسيوط، ويقال لها اليوم: المنيا، وبقي فيها حتى تُوفِّي.
نشأة الإمام القرطبي وتربيته:
أقبل القرطبي منذ صغره على العلوم الدينية والعربية إقبال المحبِّ لها، الشغوف بها؛ ففي قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافة واسعة في الفقه والنحو والقراءات وغيرها على جماعة من العلماء المشهورين، وكان يعيش آنذاك في كنف أبيه ورعايته، وبقي كذلك حتى وفاة والده سنة 627.
عاش مأساة الأندلس، فقد بقي بقرطبة حتى سقوطها، وخرج منها نحو عام 633هـ، فرحل إلى المشرق طلبًا للعلم من مصادره، فانتقل إلى مصر التي كانت محطًّا لكثير من علماء المسلمين على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدي علمائها، واستقرَّ بها.
1- زهد القرطبي وورعه:
قال ابن فرحون: "كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا، المشغولين
بما يعنيهم من أمور الآخرة.
ومن مظاهر ورعه وزهده: تصنيفه كتابي (قمع الحرص بالزهد والقناعة) و(التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة).
2- شجاعة القرطبي وجرأته في الحق:
لا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، لأنه قد اكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورعٍ مشهود، واستهانة بالدنيا ومظاهرها؛ لهذا كان رحمه الله ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء
نذكر من ذلك ما كتبه في (التذكرة) إذ يقول: "هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلَّب فيه العبيد
على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام، ورضي
بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسًا، والحق عكسًا لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدَّلوا دين الله، وغيَّروا حكم الله،
سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت.
3- بساطة القرطبي وتواضعه:
كان رحمه الله -فيما عرف عنه- يُعنى بمظهره دون تكلف وبذخ؛ إذ كان يمشي بثوب واحد مما يدل على رقة حاله،
وأنه لم يصب من الغنى ما يجعله يعيش حياة مترفة.
4- الجدية ومضاء العزيمة في حياة القرطبي:
إن الدارس لحياة القرطبي ليعجب كل العجب من حياة الجد والصرامة التي أخذ نفسه بها حتى ألفها، فهو رحمه الله قد كرَّس حياته للعلم والمطالعة والتأليف،
دون أن يُؤثَر عنه ملل أو سَأَم، ولذا وصفه مترجموه بقولهم: "أوقاته معمورة ما بين توجُّه وعبادة وتصنيف".
ولا شك أن جدية إمامنا القرطبي كانت بسبب استشعار قيمة وعظمة ما يدرس ويصنِّف، فهو على صلة دائمة مع النصوص الشرعية التي تحث على الصدق
في القول والعمل، ومخاطبة الناس بالطيب من القول، وتنهى عن السفه وبذاءة اللسان، وتنفِّر من الكبر والرياء والنفاق، وتحذِّر من الافتتان بمباهج الحياة
والانسياق وراء مغرياتها. ولا نستغرب ولا تنتابنا الدهشة من هذا الخُلُق إذا فهمنا البواعث النفسية التي كانت تسيطر على صاحبنا، فهو كثير الهمِّ على مسلمي
عصره، شديد التمسك بسُنَّة نبيه ، متأثر بما حلَّ ببلاده، حريص على العلم الشرعي.
--------------------------------------------------------
تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن ) موافق للمطبوع
تفسير جامع لآيات القرآن جميعًا ولكنه يركز بصورة شاملة على آيات الأحكام في القرآن الكريم .
الكتاب من أفضل كُتب التفسير التي عُنيت بالأحكام .وهو فريد في بابه.
حدد القرطبي منهجه بأن يبين أسباب النزول ، ويذكر القراءات ، واللغات ووجوه الإعراب ، وتخريج الأحاديث ،
وبيان غريب الألفاظ ، وتحديد أقوال الفقهاء ، وجمع أقاويل السلف ، ومن تبعهم من الخلف ، ثم أكثر من
الإستشهاد بأشعار العرب ، ونقل عمن سبقه في التفسير ، مع تعقيبه على ما ينقل عنه ، مثل ابن جرير ، وابن عطية ،
وابن العربي ، وإلكياالهراسي ، وأبي بكر الجصاص .
وأضرب القرطبي عن كثير من قصص المفسرين ، وأخبار المؤرخين ، والإسرئيليات ، وذكر جانبا منها أحيانا ،
كما رد على الفلاسفة والمعتزلة وغلاة المتصوفة وبقية الفرق ، ويذكر مذاهب الأئمة ويناقشها ، ويمشي مع الدليل ،
ولا يتعصب إلى مذهبه ( المالكي ) ، وقد دفعه الإنصاف إلى الدفاع عن المذاهب والأقوال التي نال منها ابن العربي المالكي في تفسيره ، فكان القرطبي حرا في بحثه ، نزيها في نقده ، عفيفا في مناقشة خصومه ، وفي جدله ، مع إلمامه الكافي بالتفسير من جميع نواحيه ، وعلوم الشريعة .
ويمتاز هذا التفسير عما سبق من تفاسير أحكام القرآن أنه لم يقتصر على آيات الأحكام ، والجانب الفقي منها ،
بل ضم إليها كل ما يتعلق بالتفسير .
لا يستغني عنه العالم فضلا عن طالب العلم
عدد الأجزاء 20